كل مسلم يجب أن يكون مجاهداً وليس بالضرورة أن يكون مقاتلاً

أكد الدكتور عصام البشير وزير الارشاد والأوقاف السوداني ان مفهوم الجهاد يختلف عن القتال لغة وشرعاً، وقال: ان كل مسلم يجب ان يكون مجاهداً وليس بالضرورة مقاتلاً. وأوضح ان «آية السيف» لم يتفق عليها بين العلماء، وحديث «بعثت بالسيف» لا يصح سنداً ولا متناً، بل يخالف صريح القرآن.

وبيّن ان الرسول صلى الله عليه وسلم بعث بالهدى ودين الحق والرحمة، والقرآن الكريم لم يشر في آية واحدة الى انه بعث بالسيف، واضاف في محاضرة له بعنوان «مفاهيم ينبغي ان تصحح في سياق العلاقة مع الآخر» نظمتها وزارة الأوقاف: ان الإسلام لا يشهر السيف إلا في وجه من صد عن سبيله وقاومه بالقوة، وأشار الى ان مصطلح «أهل الذمة والجزية» ليس فيه تنقيص أو ذم، ولا مانع من تغيير هذه المصطلحات، لأن الله لم يتعبدنا بها، وحذر من معاداة الآخرين لمجرد المخالفة في الدين أو المغايرة في العقيدة.

الجهاد والقتال

في البداية تحدث عن مفهوم الجهاد والقتال فقال: ان الكثير من المصطلحات التي تتعلق بالعلاقات الدولية جانبت الوسطية في الفهم وجنحت للإفراط أو التفريط، ومن ذلك: الجهاد، فالجهاد عند كثير من الناس يرادف القتال، وهو ليس كذلك، بل يختلفان لغة وشرعاً، فالجهاد مشتق من بذل الجهد وهو الوسع أو تحمل الجهد وهو المشقة، بينما القتال مشتق من القتل. وكل مسلم يجب ان يكون مجاهداً وليس بالضرورة مقاتلاً، إذ ان مجاهدة النفس والشيطان ومجاهدة المنكرات ومجاهدة الشركية بالقلم واللسان والمال والسنان، وجهاد البناء والتنمية لا يتصور الا يكون للمسلم فيها نصيب، بخلاف القتال الذي لا يتأتى إلا عندما تتهيأ أسبابه.

والأسباب التي تدعو المسلمين للقتال تنحصر في الآتي:

ـ قتال من يقاتل المسلمين «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين».

ـ القتال لمنع الفتنة في الدين «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله»، والفتنة هي مصادرة حرية الناس واضطهادهم لأجل عقيدتهم، وارغامهم على تغيير دينهم، كما حدث لأصحاب الاخدود. والقرآن يعتبر هذه الفتنة أكبر من القتل وأشد منه، لأن الإسلام يشرع القتال ليهيئ مناخ الحرية للناس ليؤمن من آمن عن حرية واختيار، ويكفر من كفر عن حرية واختيار.

آية السيف

وحول سبب اللبس بين مفهوم الجهاد والقتال قال الدكتور البشير: لعل من الأسباب التي أدت الى اللبس في مفهوم القتال، ما يروج له البعض ان آية السيف نسخت كل الآيات السابقة، وجعلت السيف هو الفيصل بين المسلمين وغيرهم، ونجيب على ذلك بأن آية السيف لم يتفق عليها، فمنهم من قال هي «وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة»، ومنهم من قال هي «فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم»، ومنهم من قال غير ذلك.

كذلك أشكل على البعض حديث «بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده». والحديث لا يصح سنداً ولا متناً، بل يخالف صريح القرآن الذي لم يذكر في آية واحدة ان الرسول صلى الله عليه وسلم بعث بالسيف، بل أكد في آيات عديدة انه بعث بالهدى ودين الحق وبالبينات والشفاء والرحمة للعالمين والمؤمنين «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، «ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة للمؤمنين». والإسلام لا يشهر السيف إلا في وجه من صد عن سبيله وقاومه بالقوة، ولو بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف لما مكث في مكة ثلاث عشرة سنة يلقى هو وأصحابه صنوف الأذي، ويستأذنه بعض أصحابه في ان يدفعوا عن أنفسهم بالسلاح فلا يأذن لهم.

الحرب

وأشار الى ان من المصطلحات التي تتعلق بالعلاقة مع الآخر وتحتاج إلى بيان هو مفهوم الحرب، فمفهوم الحرب في زماننا هذا أخذ ابعاداً أكبر من نشوب قتال بين دولة وأخرى، أو مجموعة وأخرى، فظهرت له مدلولات اخرى تمتد لتشمل الحرب الاقتصادية التي من أسلحتها المقاطعة وتجميد الأرصدة والحرب الاعلامية التي من أسلحتها الفضائيات والصحافة والانترنت.

ومن المصطلحات الأخرى الظهور والفتح، فهذان المصطلحان لا يعنيان خوض المعارك وإعمال السيف في العدو فقط، كما قد يتبادر الى الاذهان، بل يمكن للمسلمين ان يفتحوا آفاقاً وأقطاراً، فتحاً سلمياً لا تراق فيه قطرة دم، فلا يشهرون سيفاً ولا يطلقون مدفعاً ولا يعلنون حرباً، انه «الفتح السلمي» الذي أصّله الإسلام في صلح الحديبية، الذي عقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش لإقامة هدنة بين الطرفين، فسمّى القرآن ذلك «فتحاً مبيناً» ونزلت بشأنه سورة الفتح، وسأل بعض الصحابة رسول الله: «أو فتح هو يا رسول الله؟ فقال: اي والذي نفسي بيده انه لفتح».

انه الفتح الحضاري الذي يدخل به الناس في دين الله أفواجاً.

أهل الذمة والجزية

وحول مفهوم هذين المصطلحين اللذين قد يظن فيهما الإساءة للآخرين قال البشير: الذمة في اللغة تعني العهد والأمان والضمان، وفي الشرع تعني عقداً مؤبداً يتضمن إقرار غير المسلمين على دينهم وتمتعهم بأمان الجماعة الإسلامية وضمانها بشرط بذلهم الجزية، وقبولهم أحكام دار الإسلام في غير شؤونهم الدينية، وهذا العقد يوجب لكل طرف حقوقاً ويفرض عليه واجبات، وليست عبارة أهل الذمة عبارة تنقيص أو ذم، بل هي عبارة توحي بوجوب الرعاية والوفاء تديناً وامتثالاً للشرع، وان كان بعضهم يتأذى منها فيمكن تغييره لأن الله لم يتعبدنا به، وقد غيّر عمر بن الخطاب لفظ الجزية الذي ورد في القرآن استجابة لعرب بين تغلب من النصارى الذين أنفوا من الاسم، وطلبوا ان يؤخذ منهم ما يؤخذ باسم الصدقة وان كان مضاعفاً! فوافقهم عمر وقال: هؤلاء قوم حمقى رضوا المعنى وأبوا الاسم.
__________________________________________________*

الموالاة

اكد الدكتور عصام البشير ان غير المسلم الذي لا يحارب الاسلام، قد تكون مودته واجبة كما في شأن الزوجة الكتابية واهلها الذين هم اخوال ابنائه المسلمين، فمودتهم قربة وقطيعتهم ذنب، وقال ان الاسلامي يعلي من شأن الرابطة الدينية ويجعلها اعلى من كل رابطة سواها، ولكن ذلك لا يعني ان يرفع المسلم راية العدوان في وجه كل انسان غير مسلم، لمجرد المخالفة في الدين او المغايرة في العقيدة.

واوضح ان النهي عن موالاة غير المؤمنين، يقصد به موالاة هؤلاء بوصفهم جماعة معادية للمسلمين تحاد الله روسوله، وموالاتهم عندئذ انحياز الى معسكر اعداء الدين والعقيدة. واضاف: المودة المنهي عنها هي مودة المحادين لله ورسوله الذين «يخرجون الرسول واياكم ان تؤمنوا بالله ربكم» لا مجرد المخالفين ولو كانوا مسالمين للمسلمين، او شركاء وطن او جيران دار، او زملاء حياة.
__________________________________________________*

العلاقات الدولية

قال الدكتور البشير: ان النظام الاسلامي يتعامل مع الدول الاخرى وفق الموجهات التالية:

الايمان بالتعددية الحضارية والثقافية التشريعية والسياسية والاجتماعية «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا».

العمل على تنمية افاق التواصل الحضاري، ومن ذلك الافادة من الحضارة الغربية في المنهج العلمي في الكونيات والنظم الادارية المتقدمة وتجديد الاحساس بقيمة الوقت وقيمة العدل، والدعوة الى قيام شراكة انسانية صحيحة وقوية، والسعي الجاد لخفض اصوات الغلاة من الطرفين.

الدعوة الى تأسيس فقه الاقليات المسلمة في مجتمع غير المسلمين، بما يحقق للمسلمين الحفاظ على هويتهم دون انكفاء، وتفاعلهم دون ذوبان.

التركيز على المنظومة القيمية في علاقة الاسلام مع الغرب والقائمة على وحدة الاصل الانساني، وتعميق الاخوة الانسانية.

الدعوة الى مخاطبة الرأي العام الغربي من منطلق انساني تجاه مآسي المسلمين.

عدم تصنيف الاخر على انه كتلة واحدة، بل يتعامل معه على اساس انه دائرة واسعة لارجاء متعددة المنافذ يمكن مخاطبتها بموضوعية لرعاية المصالح والمنافع المتبادلة، لتحقيق الامن والسلم العالميين.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*